فصل: سورة الضحى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مختصر ابن كثير **


 سورة الضحى

 مقدمة

يستحب التكبير من آخر الضحى لآخر سورة الناس، وقد ذكر القراء أن ذلك سنّة مأثورة وذكروا في مناسبة التكبير من أول سورة الضحى أنه لما تأخر الوحى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفتر تلك المدة ثم جاء الملك فأوحى إليه‏:‏ ‏{‏والضحى والليل إذا سجى‏}‏ السورة بتمامها كبّر فرحاً وسروراً قال ابن كثير‏:‏ لم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف فاللّه أعلم

بسم اللّه الرحمن الرحيم‏.‏

 الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏ 11‏)

‏{‏ والضحى ‏.‏ والليل إذا سجى ‏.‏ ما ودعك ربك وما قلى ‏.‏ وللآخرة خير لك من الأولى ‏.‏ ولسوف يعطيك ربك فترضى ‏.‏ ألم يجدك يتيما فآوى ‏.‏ ووجدك ضالا فهدى ‏.‏ ووجدك عائلا فأغنى ‏.‏ فأما اليتيم فلا تقهر ‏.‏ وأما السائل فلا تنهر ‏.‏ وأما بنعمة ربك فحدث ‏}‏

روى الإمام أحمد، عن جندب بن عبد اللّه قال‏:‏ اشتكى النبي صلى اللّه عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت إمرأة فقالت‏:‏ يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل اللّه عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏{‏والضحى والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى‏}‏ ‏"‏أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي‏"‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ أبطأ جبريل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال المشركون‏:‏ ودع محمداً ربه، فأنزل اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏والضحى والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى‏}‏، وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء ‏{‏والليل إذا سجى‏}‏ أي سكن فأظلم وادلهم، وذلك دليل ظاهر على قدرته تعالى، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى‏}‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فالق الإصباح وجعل الليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما ودعك ربك‏}‏ أي ما تركك ‏{‏وما قلى‏}‏ أي وما أبغضك، ‏{‏وللآخرة خير لك من الأولى‏}‏ أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، ولهذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأعظمهم لها إطراحاً، كما هو معلوم بالضرورة من سيرته، ولما خيِّر عليه السلام في آخر عمره، بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى اللّه عزَّ وجلَّ، اختار ما عند اللّه على هذه الدنيا الدنية، روى الإمام أحمد، عن عبد اللّه بن مسعود قال‏:‏ اضطجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، وقلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئاً، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظلّ تحت شجرة ثم راح وتركها‏)‏ ‏"‏أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي‏:‏ حسن صحيح‏"‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولسوف يعطيك ربك فترضى‏}‏ أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أُمته، وفيما أعده له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب الؤلؤ المجوف وطينه مسك أذفر كما سيأتي‏.‏ وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ عرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أُمته من بعده كنزاً كنزاً فسّر بذلك، فأنزل اللّه ‏{‏ولسوف يعطيك ربك فترضى‏}‏ فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم ‏"‏أخرجه ابن جرير، قال ابن كثير‏:‏ إسناده صحيح، ومثل هذا لايقال إلا عن توقيف‏"‏، وقال السدي عن ابن عباس‏:‏ من رضاء محمد صلى اللّه عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، قال الحسن‏:‏ يعني بذلك الشفاعة، ثم قال تعالى يعدّد

نعمه على عبده ورسوله محمد صلوات اللّه وسلامه عليه‏:‏ ‏{‏ألم يجدك يتيماً فآوى‏}‏ وذلك أن أباه توفي وهو حمل في بطن أمه، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره ويرفع من قدره ويوقره ويكف عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه اللّه على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر اللّه وحسن تدبيره، إلى أن توفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجهالهم، فاختار اللّه له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، كما أحرى اللّه سنته على الوجه الأتم الأكمل، فلما وصل إليهم آووه ونصروه وحاطوه وقاتلوا بين يديه رضي

اللّه عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ اللّه له وكلاءته وعنايته به‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك ضالاً فهدى‏}‏ كقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان‏}‏ الآية، ومنهم من قال‏:‏ إن المراد بهذا أن النبي صلى اللّه عليه وسلم ضلّ في شعاب مكّة وهو صغير ثم رجع، وقيل‏:‏ إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام وكان راكباً ناقة

في الليل، فجاء إبليس فعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق، حكاه البغوي، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ووجدك عائلاً فأغنى‏}‏ أي كنت فقيراً ذا عيال فأغناك اللّه عمن سواه، فجمع له بين مقامي الفقير الصابر، والغني الشاكر، صلوات اللّه وسلامه عليه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن عبد اللّه بن عمرو قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قد أفلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه اللّه بما آتاه‏)‏ ‏"‏أخرجه مسلم‏"‏‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فأما اليتيم فلا تقهر‏}‏ أي كما كنت يتيماً فآواك اللّه، فلا تقهر اليتيم، أي لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسن إليه وتلطف به، وقال قتادة‏:‏ كن لليتيم كالأب الرحيم، ‏{‏وأما السائل فلا تنهر‏}‏ أي وكما كنت ضالاً فهداك اللّه، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد، قال ابن إسحاق‏:‏ ‏{‏وأما السائل فلا تنهر‏}‏ أي فلا تكن جباراً ولا متكبراً، ولا فحاشاً ولا فظاً على الضعفاء من عباد اللّه، وقال قتادة‏:‏ يعني ردّ المسكين برحمة ولين، ‏{‏وأما بنعمة ربك فحدث‏}‏ أي وكما كنت عائلاً فقيراً فأغناك اللّه، فحدث بنعمة اللّه عليك، كما جاء في الدعاء المآثور‏:‏ ‏(‏واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها عليك، قابليها وأتمها علينا‏)‏‏.‏ وعن أبي نضرة قال‏:‏ كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها ‏"‏رواه ابن جرير‏"‏، وفي الصحيحين عن أنَس أن المهاجرين قالوا‏:‏ يا رسول اللّه ذهب الأنصار بالأجر كله، قال‏:‏ ‏(‏لا، ما دعوتم اللّه لهم، وأثنيتم عليهم‏)‏ ‏"‏أخرجه الشيخان‏"‏وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس‏)‏ ‏"‏أخرجه أبو داود والترمذي‏"‏‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ يعني النبوة التي أعطاك ربك، وفي رواية عنه‏:‏ القرآن، وقال الحسن بن علي‏:‏ ما عملت من خير فحدّث إخوانك، وقال ابن اسحاق‏:‏ ما جاءك من اللّه من نعمة وكرامة من النبوة، فحدث بها واذكرها وادع إليها